الأسواق العالمية بين تقلبات حادة وآمال بارتداد: شهدت الأسواق المالية العالمية تقلبات غير مسبوقة في الأيام الأخيرة،
وسط استمرار تداعيات الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب،
والتي أدت إلى موجة بيع واسعة في الأسهم والسندات والسلع،
وزادت من حالة الضبابية التي تخيم على مستقبل الاقتصاد العالمي.

المحتوى
انتعاش في آسيا
موجات بيع عنيفة

سندات أميركية مضطربة

رسائل متضاربة من ترمب

هل تنتعش الأسواق؟

مؤشر التقلبات

صناديق التحوط

الفيدرالي في دائرة الضوء

أسواق السلع

خلاصة

انتعاش في آسيا بعد أسوأ يوم تاريخي

بعد أن سجلت أسوأ أداء لها على الإطلاق، انتعشت الأسهم الآسيوية، لتُنهي موجة هبوط عالمية حادة.
وارتفعت الأسهم اليابانية والأسترالية عند افتتاح الجلسة، إلى جانب العقود الآجلة للأسهم الأميركية والأوروبية،
بينما واصلت العقود الآجلة في هونغ كونغ الإشارة إلى مزيد من الخسائر،
بعد هبوط مؤشر الأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة بأكثر من 5%.
ويعود هذا الهبوط إلى تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على الواردات الصينية،
وهو ما ساهم أيضاً في تراجع الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسية.
في المقابل، قفزت الأسهم اليابانية بأكثر من 6% يوم الثلاثاء،
بعد أن أعلن ترمب تكليف اثنين من أعضاء حكومته ببدء محادثات تجارية ثنائية مع اليابان،
في أعقاب اتصال مع رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، و
ذلك رغم استمرار رسوم جمركية متبادلة بنسبة 24%، وتطبيق تعرفة بنسبة 25% على السيارات.

موجات بيع عنيفة في الأسواق الأميركية

تعرضت الأسهم الأميركية لموجة تقلبات ضخمة، حيث شهد يوم الإثنين واحدة من أكثر الجلسات اضطراباً،
بلغت فيها حركة مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500) نسبة 7%، وهي الأكبر منذ عام 2020، خلال جائحة كوفيد-19.
ورغم أن المؤشر لم يدخل رسمياً في منطقة السوق الهابطة،
إلا أن تفاعلات السوق مع سياسة الرسوم الجمركية دفعت المتداولين للبحث عن “قاع”، بعد خسائر تريليونية في قيمة الأسهم.

سندات أميركية مضطربة… وارتفاع في العوائد

في جلسة متقلبة، تراجعت سندات الخزانة الأميركية، وارتفعت عوائدها على كافة آجال الاستحقاق بما لا يقل عن 10 نقاط أساس،
في ظل قيام المستثمرين بتصفية مراكزهم لتغطية خسائر الأسهم. وقد اتبعت السندات الأسترالية والنيوزيلندية الاتجاه نفسه.
وارتفع العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 19 نقطة أساس،
في حين وصف محللو جي بي مورغان (J.P. Morgan) هذا التحول السريع بأنه “محير”،
مرجّحين أن العوامل الفنية وضعف السيولة زادت من حدة الحركة.

رسائل متضاربة من ترمب… والمستثمرون يترقبون

على الرغم من تلميحات ترمب إلى إمكانية التفاوض،
إلا أنه أكد أنه لا يخطط للتراجع عن فرض رسوم جمركية إضافية على عشرات الدول.
وقد علّق راجيف دي ميلو من شركة غاما لإدارة الأصول على ذلك قائلاً:
“الأسواق ربما وجدت قاعاً مؤقتاً، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة الاستقرار”.

وجّه عدد من الأسماء البارزة في وول ستريت تحذيرات قوية؛
حيث وصف بيل آكمان الوضع بأنه “شتاء اقتصادي نووي”،
واعتبر بواز وينشتاين أن “الانهيار لم يبدأ فعلياً بعد”،
في حين قال جايمي دايمون إن التأثيرات قد تكون “كارثية على المدى الطويل”.

أما كريس لاركن من إي*تريد التابعة لمورغان ستانلي، فقد أكد أن الأسواق ستبقى رهينة الأخبار السياسية،
مضيفًا أن حالات التذبذب القوي غالبًا ما تسبق القيعان السوقية التاريخية.

هل تنتعش الأسواق؟ أم أن الأسوأ لم يأتِ بعد؟

رأى مات مالي من ميلر تباك (Miller Tabak) أن ارتداد السوق قادم،
لكنه حذّر من أن إعادة التسعير وفقاً للواقع الاقتصادي ستأخذ وقتاً.
بينما أشار ماكس كيتنر من إتش إس بي سي (HSBC) إلى إمكانية ارتداد مؤقت تستفيد منه مجموعة العظماء السبعة:
أمازون، ألفابت، إنفيديا، أبل، ميتا، مايكروسوفت، تسلا.
أما مايكل ويلسون من مورغان ستانلي، فشدد على أن مؤشر S&P 500
لا يزال عرضة لمزيد من الانخفاض، وسط تصاعد المخاوف.

مؤشر VIX لا يزال مرتفعًا… هل الخوف مستمر؟

رغم تراجع مؤشر التقلبات VIX (Cboe) عن مستوى 60 نقطة الذي بلغه في وقت سابق من اليوم،
إلا أن منحنى العقود الآجلة للمؤشر لا يزال يشير إلى استمرار حالة التقلب المرتفعة لعدة أشهر قادمة،
مما يعكس القلق المستمر في الأسواق.
وحتى الآن، لم تصل مؤشرات السوق إلى المستويات القصوى من الذعر التي شهدناها في محطات تاريخية سابقة:
مثل أزمة كوفيد-19 عام 2020 (85 نقطة)، أو أزمة 2008 المالية (90 نقطة)،
أو أزمة الين الياباني في أغسطس الماضي (66 نقطة).
هذا التراجع النسبي لا يعني بالضرورة زوال المخاطر،
بل قد يشير إلى ترقب المستثمرين لتطورات أكثر وضوحاً بشأن السياسات الاقتصادية والتجارية.

صناديق التحوط تعيد التموضع… والأفراد خارج المشهد

سجلت شركة غولدمان ساكس (Goldman Sachs)، وفقًا لما أفاد به فينسنت لين،
زيادة بنسبة 22% في رهانات صناديق التحوط ضد الأصول الأميركية خلال الأسبوع الماضي، وهي الأعلى منذ أكثر من عقد.
بينما يرى ريتشارد سابرستين من تريجري بارتنرز (Treasury Partners)
أن “غياب البيع الجماعي من قبل المستثمرين الأفراد” لا يزال يشكل تهديداً حقيقياً.
وفي هذا السياق، تراجعت تقييمات الأسهم الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ أواخر عام 2023،
ما دفع عددًا من كبار المحللين إلى خفض توقعاتهم لـ مؤشر S&P 500،
حيث خفّض دوبرافكو لاكوس-بوغاس من جي بي مورغان تقديراته من 6500 إلى 5200 نقطة،
بينما خفّض جون ستولتزفوس من أوبنهايمر (Oppenheimer) توقعاته من 7100 إلى 5950 نقطة.
كما أقدمت مؤسسات أخرى مثل إيفركور آي إس آي (Evercore ISI) وغولدمان ساكس وسوسيتيه جنرال (Société Générale)
على خفض مماثل في توقعاتها، مما يعكس تراجع الثقة في آفاق السوق القريبة.

الفيدرالي في دائرة الضوء… وخيارات محدودة

مع استمرار حالة الغموض، ازدادت التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يلجأ إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد.
وقد توقعت سوليتا مارسيللي من يو بي إس لإدارة الثروات العالمية (UBS Wealth Management)
أن يبدأ الخفض بما يتراوح بين 75 إلى 100 نقطة أساس،
مع احتمال تعافي مؤشر S&P 500 ليصل إلى 5800 نقطة بحلول نهاية العام.
في المقابل، أكّد مايكل جابين من مورغان ستانلي أن الفيدرالي سيبقى “في وضع الترقب”،
ما لم تظهر بوادر ركود واضحة على أرض الواقع.

أسواق السلع: النفط يرتفع والذهب بلا اتجاه

سجلت أسواق السلع تحركات متباينة، حيث ارتفع سعر النفط بعد أن لامس أدنى مستوياته في أربع سنوات خلال الجلسة السابقة،
بينما استقر سعر الذهب دون تغيّر يُذكر في ظل سيادة الحذر.

خلاصة: مستقبل غامض وتعافٍ مشروط

الأسواق العالمية بين تقلبات حادة وآمال بارتداد… الحرب التجارية تواصل الضغط،
وهذا المشهد لا يبدو أنه سيتغير في المدى القريب، في ظل استمرار الغموض الذي يخيّم على السياسات الاقتصادية العالمية.
لقد تداخلت تداعيات الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع إشارات تباطؤ النمو الاقتصادي ومخاوف الركود،
ما أدى إلى موجات متتالية من التقلبات في الأسهم والسندات والسلع.

ورغم ظهور بعض الارتدادات الإيجابية المؤقتة، خصوصاً في الأسواق الآسيوية وبعض قطاعات الأسهم الأميركية،
تبقى الأساسيات الاقتصادية هشّة. ويميل المستثمرون إلى الحذر الشديد، مع تردد واضح في اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد،
وسط غياب إشارات واضحة بشأن مستقبل الرسوم الجمركية وتوجهات الاحتياطي الفيدرالي.

ولن يكون التعافي ممكناً إلا بتحقيق ثلاثة عناصر رئيسية: أولاً، تخفيف التوترات التجارية من قبل الإدارة الأميركية،
وثانياً، تحسن المعطيات الاقتصادية الأساسية، وثالثاً، تدخل صناع القرار النقدي بخفض أسعار الفائدة بشكل فعّال.
وحتى يتحقق ذلك، ستبقى الأسواق تحت رحمة المتغيرات السياسية والاقتصادية.

إن الأسواق العالمية بين تقلبات حادة وآمال بارتداد… الحرب التجارية تواصل الضغط،
وستظل العنوان الأبرز للمشهد المالي ما لم تتبدد حالة الغموض،
ويبدأ المستثمرون في رؤية إشارات ثابتة تُعيد الثقة تدريجياً للأسواق حول العالم.

الأسواق العالمية بين تقلبات حادة وآمال بارتداد

الأسواق العالمية بين تقلبات حادة وآمال بارتداد

مواضيع ذات صلة